الشيشة، آخرُ تجليّاتها وابتكاراتها الإلكترونيّة

الشيشة، آخرُ تجليّاتها وابتكاراتها الإلكترونيّة

يونيو 10, 2023 | مدونة

الشيشة، آخرُ تجليّاتها وابتكاراتها الإلكترونيّة

لاشكّ أنّ الشّيشة، بتسمياتها المختلفة، كالنارجيلة والجوزة وغير ذلك، قد شكّلت إحدى أدوات الترفيه وتغيير المزاج التي تعب الإنسان، في مختلف أصقاع الأرض، وهو يبحث عنها ليجعل حياته أكثر راحة وهناء، بما تقدّمه هذه الابتكارات من نشوة وسعادة، حتى ولو كانت لحظات عابرة!

لذلك ليس غريباً أن يخترع الإنسان طقوساً وعاداتٍ لهذه التسليات التي رافقته منذ العصور القديمة، ولكي ينفي عنه الملل الناتج عن الرتابة والتكرار، ويضفي بهجة كلّ جديد على هذه الطقوس، راح الإنسان يطوّر ويجدّد ويبتكر، فلم تعد النارجيلة بذلك الشكل البدائيّ البسيط، بل تفنّن الناس وتمتّعوا بصناعة أجزائها، فوشّوا زجاجها وزيّنوه بماء الذهب والفضّة، وأدخلوا تحسينات كثيرة على صناعة الأنابيب والمباسم، كذلك تصرّفوا في تطعيم التبوغ بنكهات الفواكه اللذيذة المختلفة!

ولكن هل اقتصر التجديد على تطوير شكل النارجيلة وتحسين مظهرها وأشكال أدواتها وحسب؟

أبداً لم يكتفِ الإنسان بهذه التغييرات، رغم أهمّيتها، بل إنّ تطوّر الحياة وأساليب العيش في المجتمعات المختلفة تركت أثرها في تبدّل أشكال وأساليب التعامل مع الشّيشة!

فلم تعد النارجيلة جزءاً ثابتاً من لوازم المقاهي والاستراحات وحسب، بل سرعان ما أصبحت من المقتنيات المنزليّة في المدينة والرّيف على السّواء، وأصبح وجودها ضرورة لا تكتمل من دونها السّهرات على الشّرفات، مثلما هي الحال في الرّحلات والنّزهات الجميلة!

وبعد هذه الأهمّية التي اكتسبتها الشّيشة في حياة الناس، كان لابدّ للعقول المُبدعة من ابتكار أشكال تجعلها أخفّ حملاً وأسهل تداولاً، فربّما خطر لعدد من الناس أن يتذوّقوا نكهة تدخين الشيشة وهم في الفراش، أو في أوضاع لا تسمح لهم بالنهوض والعمل على إعدادها وتجهيزها، فتمنّوا أن يكون ثمّة شيشة إلكترونيّة يسهل حملها، ولا تكلّفهم أكثر من ضغط زرّ صغير لتكون جاهزة، فيعبّوا من دخانها الشهيّ، وتعيد إليهم المزاج الرائق الذي تمنّوه!

الشيشة الإلكترونية

دائماً كان الناس يقولون: إنّه ما من دخان بلا نار !

ورغم أنّ هذا الكلام يكاد يكون حقيقة، إلا أن إبداعات عصرنا غيّرت كثيراً من المفاهيم التي ظلّت زمناً طويلاً تُحتسب في الثوابت!

ومن هذه الاختراعات ما ندعوه بالشيشة الإلكترونية، فما هو هذا الإنجاز الذي انتشر بين المدخّنين بسرعة تشبه سرعة الضوء؟ 

إنها طريقة للتدخين لا تستوجب منك الذهاب إلى المقهى ولا تهيئة مستلزمات النارجيلة التقليدية، إنها مجرّد أداة صغيرة ربّما لا تزيد عن حجم قلم الحبر، ولكنّ لها فعلاً أكبر بكثير ممّا يوحي به حجمها!

تفنّن مبتكرو هذه الطريقة للتدخين فأخرجوا أداة متنوّعة الأشكال والأحجام، لكنها تشترك جميعها بأنّها تعمل وفق مبدأ واحد هو التبخير!

ويُقصد بذلك تسخين السائل الذي يحوي نسبة معينة من النيكوتين، فيطلق بخاراً يمكن للمدخّن امتصاصه ونفثه كما لو كان من  لفافة تبغ عاديّة، مع العلم أن هذا الذي يخرج ليس دخاناً بالتأكيد، لأن الدخان هو ناتج لعملية احتراق، بينما لا يحدث هنا أكثر من الحصول على كميّة من البخار الذي يشبه الدخان!

وقد قصد مصنّعو الشيشة الإلكترونية أن يجعلوا كميّة البخار الصادرة منها أكثر كثافة وزخماً ممّا تحقّقه الشيشة العادية، وكان ذلك سبباً كافياً لإغراء الشباب والمراهقين بتجريب هذه اللعبة التي قد تجرّهم إلى إدمان التدخين!

ولا بدّ أن نذكر في سياق الحديث عن الشيشة الإلكترونية أنّ المسوّقين زعموا أنّ لها فوائد ومزايا كثيرة سرعان ما تبيّن أنّ معظمها ليس صحيحاً مطلقاً، بل هو نوع من الدعاية والترويج لمنتج يعتبر واحداً من منتجات العصر الموسوم بثقافة الاستعراض والمظاهر التي تبدو برّاقة في أشكالها، ولكنّها في حقيقة الأمر ليست أكثر من طلقات مغلّفة بالسكّر!

فكثيراً ما سمعنا أنّ الشيشة الإلكترونيّة تساعد في الإقلاع عن التدخين، وأنّ البخار الذي يستنشقه مستعملها خالٍ من النيكوتين تماماً، ولكن تبيّن أنّ هذا الكلام ليس صحيحاً أبداً، والزعم بأنّ هذه طريقة صحيّة للتدخين ليس أكثر من دعاية لتحقيق نسبة أكبر من المبيعات لهذا المنتج الخطير!

والطريف أنّ الصينيين هم أوّل من سوّق وسائل التدخين الإلكترونيّة بعد أن زاد اللغط حول مضار تدخين التبغ العادي وما يسبّبه من أمراض قد تكون سبباً رئيساً في وفيات عدد كبير من المدخّنين، فكانت اليافطة الدعائيّة أنّ السيجارة أو الشيشة الألكترونية آمنتان صحيّاً، وأنّه لا سعال ولا اختناق ولا سرطانات رئة بعد اليوم!

وبالطبع كان الشباب من أول زبائنها، فقد فتنهم شكلها الأنيق، وتلك الغمامة الكثيفة من الدخان التي تخرج من أنوفهم وأفواههم، إضافة إلى ما لديهم من ميل فطريّ لتجريب كلّ جديد، والتمرّد على كلّ ما هو سائد!

ويشكّل هذا القدْر الكبير من الإغراء بتجريبها لدى الشباب مؤشراً خطراً يؤدي إلى انتشارها سريعاً مع أن الحكمة تقتضي أن نتريّث قليلاً لتكتمل الدراسات حولها، ويقول خبراء الصحّة كلمتهم الفصل فيها، لكن كيف يمكن للشباب أن يقنعهم كلام كهذا؟!

في الختام

رأينا أن التقنيات الإلكترونية، التي أصبح التسابق في مجالاتها سمة عصرنا، قد تركت بصمتها في كلّ مناحي حياتنا، وغيّرت كثيراً من طقوس عاداتنا وتقاليدنا، فكانت الشيشة الإلكترونية إحدى هذه التجلّيات والإبداعات اللافتة بقوّة والتي تقتضي جاذبيّتها الكبيرة أن نتعامل معها بقدر أكبر من اليقظة والحذر، حتى لا يكون اختيارنا لها يشبه حال من يهرب من الخطر إلى ما هو أشدّ خطراً! 

Previous Next
Close
Test Caption
Test Description goes like this